شرحات على عجين

شرحات على عجين: رحلة في عالم الخبز والحلويات

تُشكّلُ “الشرحات” في عالم الخبز والحلويات مصطلحاً شاملاً يشير إلى تقنياتٍ متنوعةٍ تُستخدم في تحضير العجين، والتي تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على نسيج و طعم ومظهر المنتج النهائي. لا تُعتبر الشرحات مجرد عمليةٍ ميكانيكيةٍ روتينيةٍ، بل هي فنٌ دقيقٌ يتطلبُ دقةً وخبرةً وفهماً عميقاً لخواصّ العجين وطريقة تفاعله مع مختلف العوامل. سنأخذ في هذا المقال رحلةً شيقةً إلى عالم الشرحات، مُستكشفين أسرارها وتفاصيلها الدقيقة، بدءاً من أبسط أنواعها وصولاً إلى التقنيات المتقدمة التي يعتمدها خبراء المخابز والحلويات.

أولاً: أنواع الشرحات وأهدافها:

تتنوع الشرحات تبعاً لنوع العجين ومكوناتة والنتيجة المرجوة، فمنها ما يهدف إلى تطوير نسيج العجين وجعله أكثر ليونة، ومنها ما يهدف إلى إزالة الهواء منه ومنع تكون الفقاعات الكبيرة، ومنها ما يهدف إلى توزيع المكونات بشكلٍ متجانسٍ. سنُلقي الضوء على أهم أنواع الشرحات:

1. الشرحة الأولية (الشرحة الأولى): وهي أول عملية شرح تُجرى على العجين بعد عجن مكوناته. تهدف هذه الشرحة إلى دمج المكونات بشكلٍ كاملٍ وتكوين بنيةٍ متماسكةٍ للعجين. تُجرى عادةً يدوياً أو باستخدام عجان كهربائي بسرعة منخفضة، ومدة الشرحة تتوقف على نوع العجين وقوته. العجين القوي يحتاج إلى شرحة أطول وأكثر قوةً مقارنةً بالعجين الضعيف. تُساهم هذه الشرحة في توزيع الخميرة بشكلٍ متساوٍ في العجين مما يُسرّع عملية التخمير.

2. شرحة التخمير (شرحة الارتفاع): بعد مرحلة التخمير الأولى، يُعاد شرح العجين لتفريغ الهواء المتكون فيه خلال التخمير. هذه الشرحة لطيفة ورقيقة، تهدف إلى إزالة الفقاعات الكبيرة وإعادة تشكيل العجين وجعله أكثر تماسكاً قبل الشكل النهائي. يُمكن تكرار هذه الشرحة حسب نوع العجين ومدة التخمير.

3. الشرحة النهائية (شرحة التشكيل): هذه الشرحة تُنفذ قبل التخمير النهائي وبعد تشكيل العجين بالشكل المطلوب. تُعتبر مرحلةً حاسمةً، فهي تحدد بشكلٍ كبيرٍ شكل ومظهر المنتج النهائي. تُطبق هذه الشرحة بلطفٍ وحذر، مع تجنب الضغط الشديد على العجين لتجنب طرد الغازات المُنتجة من الخميرة. هذا النوع من الشرح يُستخدم لتحسين تماسك العجين وجعله أكثر استعداداً للخبز.

4. شرحة الطيّ (أو الطيّ): تُستخدم هذه التقنية بشكلٍ خاصٍّ في أنواعٍ معينةٍ من العجين، مثل عجين الباجيت والكرواسون. تتضمن طيّ العجين على نفسه عدة مرات، وذلك لتنمية بنية العجين وتكوين طبقات رقيقة من الغلوتين. تساهم هذه التقنية في الحصول على نسيجٍ هَشٍّ وطبقيٍّ مميزٍ في المنتجات النهائية. تحتاج هذه التقنية إلى مهارةٍ ودقةٍ كبيرتين.

5. شرحة التمديد: تُستخدم هذه الطريقة لعمل منتجات رقيقة و مسطحة، مثل البيتزا أو الفطائر. تتطلب هذه الشرحة مهارة خاصة في توزيع العجين بشكلٍ متساوٍ ومنع تمزقه.

ثانياً: العوامل المؤثرة على عملية الشرح:

لا تعتمد نجاح عملية الشرح على المهارة فقط، بل على عدة عوامل أخرى، أهمها:

1. نوع العجين: تختلف أنواع العجين في محتواها من الدقيق والسوائل والدهون والخميرة، وهذا يُؤثر بشكلٍ مباشرٍ على قوة العجين وقابليته للشرح. فالعجين القوي يحتاج إلى شرحة أطول وأكثر قوةً، بينما العجين الضعيف يحتاج إلى شرحة لطيفة ورقيقة لتجنب تمزقه.

2. درجة حرارة العجين: العجين الدافئ يكون أكثر ليونةً وأسهل في الشرح، بينما العجين البارد يكون أكثر صلابةً ويحتاج إلى مجهودٍ أكبر في الشرح. تؤثر درجة الحرارة أيضاً على نشاط الخميرة، فالعجين الدافئ يُسرّع عملية التخمير.

3. رطوبة العجين: العجين الرطب يكون أكثر ليونةً وأقل تماسكاً، بينما العجين الجاف يكون أكثر صلابةً ويحتاج إلى المزيد من السوائل لجعله قابلاً للشرح. يجب التحكم في نسبة الرطوبة في العجين للحصول على القوام المناسب.

4. نوع الدقيق: يختلف محتوى الغلوتين في أنواع الدقيق، وهذا يُؤثر على قوة العجين وقابليته للشرح. دقيق القمح عالي الغلوتين ينتج عجيناً قوياً يحتاج إلى شرحة قوية، بينما دقيق القمح منخفض الغلوتين ينتج عجيناً ضعيفاً يحتاج إلى شرحة لطيفة.

5. الأدوات المستخدمة: تُستخدم أدواتٌ متنوعةٌ في عملية الشرح، منها اليدين، والمعالق الخشبية، وعجان الخبز الكهربائي. كل أداة لها تأثيرها الخاص على العجين، فعجان الخبز الكهربائي يُمكنه شرح العجين بشكلٍ قويٍّ وسريع، بينما اليدين يُمكنهما شرح العجين بلطفٍ ودقةٍ أكبر.

ثالثاً: أهمية الشرح في عملية الخبز:

تُعتبر الشرحات خطوةً أساسيةً في عملية الخبز، فهي تُؤثر بشكلٍ كبيرٍ على جودة المنتج النهائي من حيث:

1. النسيج: تساهم الشرحات في تطوير نسيج العجين، و جعله أكثر ليونةً وهشاشةً. فهي تُساعد على توزيع الغازات المُنتجة من الخميرة بشكلٍ متساوٍ، مما يُؤدي إلى الحصول على قوامٍ إسفنجيٍّ مثاليٍّ في الخبز.

2. الطعم: تُساهم الشرحات في توزيع النكهات بشكلٍ متساوٍ في العجين، مما يُؤدي إلى الحصول على طعمٍ أكثر ثراءً وتجانساً في المنتج النهائي.

3. المظهر: تُساهم الشرحات في الحصول على شكلٍ ومظهرٍ جميلين للمنتجات المخبوزة. فالشرحة النهائية تُحدد شكل الخبز النهائي، وتُساعد على الحصول على سطحٍ ناعمٍ ولامع.

4. حجم المنتج: تساعد الشرحة على تطوير حجم الخبز، خصوصاً في حالة استخدام الخميرة.

رابعاً: الشرحات في أنواع مختلفة من العجين:

تختلف تقنيات الشرح باختلاف نوع العجين. سنستعرض بعض الأمثلة:

عجين الخبز الأبيض: يحتاج إلى شرحة قوية وطويلة لتطوير الغلوتين و الحصول على نسيج متماسك.
عجين الخبز الأسود (الخبز المصنوع من دقيق الشوفان أو دقيق القمح الكامل): يحتاج إلى شرحة لطيفة لتجنب تمزق العجين نظرًا لقدرته الأقل على التمدد مقارنةً بالعجين الأبيض.
عجين البيتزا: يحتاج إلى شرحة لطيفة و دقيقة للحصول على عجينة رقيقة ومرنة.
عجين الكرواسون: يتطلب شرحة خاصة تتضمن طيّ العجين عدة مرات لتكوين طبقات رقيقة من الغلوتين و الحصول على نسيج هَشٍّ.
عجين الباجيت: يحتاج إلى شرحة قوية مع طيّ لتكوين نسيج قوي و هشّ في نفس الوقت.
عجين المعجنات: تعتمد طريقة شرحه على نوع المعجنات، فبعضها يحتاج لشرحة خفيفة وبعضها يحتاج لشرحة قوية.

خامساً: نصائح لتحسين مهارات الشرح:

لتحسين مهارات الشرح، ينصح باتباع النصائح التالية:

التدرب باستمرار: كلما زادت خبرتك في الشرح، كلما أتقنتِ تقنياته.
التعرف على أنواع العجين المختلفة: فكل نوع عجين يحتاج إلى طريقة شرح خاصة به.
استخدام الأدوات المناسبة: اختيار الأدوات المناسبة يُسهل عملية الشرح ويُحسن من النتيجة.
الملاحظة الدقيقة: ملاحظة تفاعل العجين مع عملية الشرح يُساعد على فهم خواصه وتطوير مهاراتك.
الاستعانة بالمصادر المختلفة: قراءة الكتب والمراجع والاطلاع على فيديوهات تعليمية تُساعد على فهم تقنيات الشرح بشكل أفضل.

خاتمة:

تُعتبر الشرحات عمليةً أساسيةً وحيويةً في عالم الخبز والحلويات. فهي تتطلبُ دقةً وخبرةً وفهمًا عميقًا لخواصّ العجين وتفاعله مع العوامل المختلفة. إنّ إتقان تقنيات الشرح المختلفة يُساهم في الحصول على منتجاتٍ مخبوزةٍ عالية الجودة، ذات نسيجٍ وطعمٍ ومظهرٍ مثاليين. نتمنى أن يكون هذا المقال بمثابة مرجعٍ شاملٍ يُساعد الراغبين في تعلم فنّ الشرح على تطوير مهاراتهم واكتشاف أسرار هذا العالم المُذهل. إن رحلة إتقان الشرحات هي رحلةٌ مستمرةٌ مليئةٌ بالتجربة والتعلم، كلما زادت خبرتك، كلما اكتشفت المزيد من أسرار هذا الفنّ الرائع.